Thursday, June 5, 2008

سجوننا إن حكت قد تبكي الحجر



أغرب ما في عالمنا العربي، أننا دائماً نعترض على مشاكلنا التي يتسبب بها الاخرون ونسكت عن المشاكل التي نتسبب بها نحن، مع أن الاخيرة أولى بإهتمامنا لأن حلها بأيدينا.
وهكذا في السجون لطالما تحدثنا عن معاناة المساجين في غوانتنامو، وعن الاسرى في السجون السورية وسجون الاحتلال الاسرائيلي، أما سجوننا فلا نعلم ماذا يوجد في داخلها، ومساجيننا وسجانونا لا نعلم عنهم شيئاً. فالمعرفة في عالمنا العربي محرمة في كل ما يضرّ بالسلطات والاعتراض عليها "خط أحمر" و"جلب مشاكل عالفاضي، أصلاً مشاكلنا بتكفينا" ....
وقد ينظر البعض الى ما سأطرحه في الموضوع على أنه رفاهية زائدة لا حاجة للمساجين لها، لكنها ضمن أبسط الحقوق. عندنا لا تعذيب مقارنة بمصر مثلاً ولا إهانات كإهانات غوانتنامو ... لكن سجوننا إن حكت ففيها الكثير. فالسجن ليس "مقبرة" للبشر، لكنه مدرسة، يفترض أن يخرج المجرم منها إنسانا مسؤولاً نادماً، لا العكس، يخرج البريء منها أو المذنب بأحكام بسيطة مجرماً كبيراً متمرساً ومؤسساً لعلاقات "عمل" تضمن له مستقبلاً آمناً، لأننا وللأسف، في بلدنا، السجن نقطة سوداء في السجل العدلي تحرّم على صاحبها إيجاد عمل أو وظيفة إلى الأبد.
مشاكل السجونتعاني السجون اللبنانية الـ32 والمتوزعة على مختلف المحافظات، مشكلة الاكتظاظ الخانق، فالمبنى الذي يتسع ل300 يسجن فيه 800، والغرفة الـمعدة لثلاثة، يحتجز فيها عشرة، الطعام رديء والبرد قارس، والمنشآت بحاجة لصيانة. خليط غريب عجيب، أحداث وكبار، مجرمين وقتلة، ولصوص، ومتسللين وبريئين. البعض أسماؤهم موجودة والبعض حتى لا تذكر أسماؤهم في اللوائح. أما المشكلة الثانية فتتعلّق بطريقة توزيع السجناء على الزنازين والأقسام فلا توجد منهجية علمية دقيقة لذلك، ما يؤدي الى مشاركة أشخاص ارتكبوا جرائم مختلفة ومتنوعة الزنزانة عينها أو الطابق عينه، ما يسمح بتأسيس شبكات وعصابات ويجعل بعض المتخصصين في جرائم معيّنة يعلّمون السجناء الآخرين طرقاً متطوّرة لارتكاب الجرائم، ويدلّونهم على الحيل والأهداف السهلة وسبل الإفلات من الشرطة. والمشكلة الثالثة تتعلّق بعدم تجهيز حراس السجون والمسؤولين عن إدارتها وتدريبهم مهنياً على التعامل مع السجناء. فيعتمد حراس السجن على «الشاويش» أي السجين المحكوم الذي " تثق به" إدارة السجن لفرض النظام والحفاظ على الأمن خلف القضبان. والمشكلة الرابعة تتعلّق بغياب برامج الإصلاح والتدريب المهني والمصانع وحتى العلاج من الإدمان على المخدرات والكحول والميسر، وغير ذلك من المشاكل.
ما الذي يحدث في سجن رومية؟!!
فمثلاً سجن رومية، وهو أكبر وأشهر السجون اللبنانية، والمعد لـ1550 سجين، يضم حوالي 4000 سجين، وهي نسبة اكتظاظ تقارب الـ400 %. للأسف فإن جزء كبير من هؤلاء السجناء أيضاً من الموقوفين الذين لم تتم محاكمتهم بعد، كما أن نسبة تقارب النصف هي ممن دخلوا البلاد خلسة بهدف العمل (جنسيات مختلفة، سريلانكية، عراقية، مصرية، سورية، ..). روائح العفن والرطوبة، التدخين، "الويل لغير المدخنين"، الفرش الصغيرة المفردة والمتكدسة فـ "لا مكان للنوم الا عبر التسييف (أي النوم على الجنب وكعب وراس)" .
وفي شهادات سجناء سابقين عايشوا الوضع المتفاقم والمؤلم في رومية، اختزل عباس السجن بـ "الرشوة، السلطة والقوة، حيث يتمتع أصحاب المال والسلطة بالكثير الكثير من الامتيازات، وخصوصاً تجار المخدرات الذين يختارون بأنفسهم الزنزانة وعدد الأشخاص الذين سيتقاسمونها معهم.. فقط لخدمته". وكان عباس يحزن عندما يرى سجناء يخرجون من زنازينهم ويتنقلون بحرية ويتوجهون إلى النزهة ساعة يشاؤون، ويمضون أوقاتاً مع عائلاتهم، وعندما اعترض يوماً كان الجواب "إدفع ما يدفعونه وتحصل على ما تريد".ويتساءل محمد "مَن قال ان السجين لا يحتاج للمال، فأهلي دفعوا لي طوال العشر سنوات،66 مليون ليرة"، فنحن نقوم بتأهيل الزنزانة على نفقتنا، وكل ما نأتي به من تلفزيون وبراد ومروحة يصبح مباشرة ملكاً للدولة". ويتابع محمد "أما بالنسبة للطعام فنضطر الى لرشوة شاويش المطبخ بكروز دخان اسبوعياً للحصول على نوعية جيدة".
أما جورج وصف "السنوات الثلاث التي أمضاها في السجن بـ"درب الجلجلة"، متمنياً لو يدركه الموت، ويعتبر ان الحياة في السجن هو وجه آخر للحياة في العالم الخارجي "حيث القوي يأكل الضعيف"، ما اضطر أهله للاستدانة ليعيش بكرامة بداخله. يدرك جورج انه كان يقيم في سجن وليس في فندق لكنه يستغرب عدم تأمين الحد الأدنى ليعيش السجين باحترام، ويعتب على "السجانين" الذين لم يحبهم يوماً وهم الذين اعتادوا معاملة السجين كشخص "رخيص" من خلال أحكام مسبقة بحقهم. ويهزأ من اعتبار السجن عقوبة إصلاحية، فهو يعجّ بالعصابات التي تخترع السلاح الأبيض للانتقام من بعضها البعض، وما أن يخرج أحد أفرادها حتى يعود لارتكابه جرماً آخر."

" دخلتُ السجن مذنبة فأخرجني منه تائبة"
في لبنان أربع سجون للنساء هم بعبدا , فردان , زحلة و طرابلس، وهذه السجون تزيد سوءا عن سجون الرجال و هي لا تحوي الحد الادنى من المقومات التي وضعتها الامم المتحدة. ففي سجن بعبدا، المساحة الفردية للسجينة لا تتعدى المتر مربع، كما ان العدد المزدحم للسجينات في الغرفة الواحدة يحدّ من خصوصية السجينة فكيف اذا كانت تلك الاخيرة قاصراً وفي طور النّمو. أما بالنسبة لوسائل الراحة، فكل 3 سجينات يحصلن على فرشتين للنوم وغياب الحواجز داخل الحمامات يعرض السجينة الحدث لحالات المثلية الجنسية واستغلالها في شبكات الدعارة و الممنوعات فور خروجها. إن المجتمع اللبناني لا يعير أي اهتمام للفتاة الجانية، ويعود السبب الاساسي الى الفكر الشرقي الذكوري الذي لا يزال يتحكم بعقولنا، ويقضي بالتستّر على الفتاة و المرأة بشكل عام. و لكن كما اعتدنا في لبنان، إن العمل العلني في موضوع السجينات يشكل مهانة لمجتمع متخلف، بعيد كل البعد عن الانسانية والعدالة. فالقضاء يرسل الفتيات المتراوحة أعمارهم بين الـ 12 و الـ 15 سنة الى دير الراعي الصالح في السهيلة. أما اللواتي بلغن سن الـ 15 وارتكبن جنحة كبيرة فيرسلن الى سجون النساء دون أي مشروع إصلاح أو متابعة.
أما نجوى، ففي سجن بعبدا حيث كانت، لا يميزن الليل من النهار لعدم وجود نوافذ ما حرمهن نعمة الشمس، و"زاد الطين بلّة اتخاذ إدارة السجن قراراً بإبقاء الأنوار مضاءة ليلاً نهاراً بعدما سرت شائعات عن قيام سجينتين بأفعال منافية للحشمة"، ونتيجة لذلك أصيبت نجوى بغشاوة على عينيها، وبسبب الرطوبة التي تنتشر في السجن، تعمد الإدارة بالتنسيق مع سجون أخرى إلى اعتماد مبدأ المداورة ونقل بعض السجينات إلى سجون تتميز بأماكن للنزهة. وتحدثت أيضاً عن رداءة الأكل والذي لا يتناوله إلا القليل من السجينات وهن الفقيرات، فيما الأخريات يحصلن عليه من الخارج وعلى نفقتهن. كما أن المعاناة تبرز أكثر في شهر رمضان، فمواعيد توزيع الطعام لا تتعدى المرة الواحدة يومياً.وتتابع:" طيلة فترة الحكم الصادر بحقي، كنت أخاطب خالقي الاعظم بجملة، "ربي دخلت السجن مذنبة فأخرجني منه تائبة" في النهاية يتّفق الجميع، أبرياء ومذنبين، ومراقبين ومسؤولين، على أن وضع السجون في لبنان غير مرضٍ، من رداءة الطعام إلى غياب المنشآت الترفيهية والصحية، إلى عدم المحاكمة، وإلى التوقيف حتى بعد انتهاء المدة بسبب تراكم الغرامات، وتضارب الصلاحيات بين وزارتي العدل والداخلية حول الاشراف على أوضاع السجون. بلسان حال المسجونين اليوم، دخلت السجن مذنباً أم تائباً لا يهم، ربي أخرجني منه، على الاقل، إن لم يكن تائباً يا رب ... لا تخرجني مجرماً أكبر ....

No comments: